وَ كَانَ مِنْ دُعَائِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ فِي يَوْمِ الْفِطْر إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلَاتِهِ قَامَ قَائِماً ثُمّ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَ

 

يَا مَنْ يَرْحَمُ مَنْ لَا يَرْحَمُهُ الْعِبَادُ وَ يَا مَنْ يَقْبَلُ مَنْ لَا تَقْبَلُهُ الْبِلَادُ وَ يَا مَنْ لَا يَحْتَقِرُ أَهْلَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ‏ وَ يَا مَنْ لَا يُخَيّبُ الْمُلِحّينَ عَلَيْهِ وَ يَا مَنْ لَا يَجْبَهُ بِالرّدّ أَهْلَ الدّالّةِ عَلَيْهِ‏ وَ يَا مَنْ يَجْتَبِي صَغِيرَ مَا يُتْحَفُ بِهِ وَ يَشْكُرُ يَسِيرَ مَا يُعْمَلُ لَهُ وَ يَا مَنْ يَشْكُرُ عَلَى الْقَلِيلِ وَ يُجَازِي بِالْجَلِيلِ‏ وَ يَا مَنْ يَدْنُو إِلَى مَنْ دَنَا مِنْهُ وَ يَا مَنْ يَدْعُو إِلَى نَفْسِهِ مَنْ أَدْبَرَ عَنْهُ وَ يَا مَنْ لَا يُغَيّرُ النّعْمَةَ، وَ لَا يُبَادِرُ بِالنّقِمَةِ وَ يَا مَنْ يُثْمِرُ الْحَسَنَةَ حَتّى يُنْمِيَهَا، وَ يَتَجَاوَزُ عَنِ السّيّئَةِ حَتّى يُعَفّيَهَا انْصَرَفَتِ الْ‏آمَالُ دُونَ مَدَى كَرَمِكَ بِالْحَاجَاتِ، وَ امْتَلَأَتْ بِفَيْضِ جُودِكَ أَوْعِيَةُ الطّلِبَاتِ، وَ تَفَسّخَتْ دُونَ بُلُوغِ نَعْتِكَ الصّفَاتُ، فَلَكَ الْعُلُوّ الْأَعْلَى فَوْقَ كُلّ عَالٍ، وَ الْجَلَالُ الْأَمْجَدُ فَوْقَ كُلّ جَلَالٍ. كُلّ جَلِيلٍ عِنْدَكَ صَغِيرٌ، وَ كُلّ شَرِيفٍ فِي جَنْبِ شَرَفِكَ حَقِيرٌ، خَابَ الْوَافِدُونَ عَلَى غَيْرِكَ، وَ خَسِرَ الْمُتَعَرّضُونَ إِلّا لَكَ، وَ ضَاعَ الْمُلِمّونَ إِلّا بِكَ، وَ أَجْدَبَ الْمُنْتَجِعُونَ إِلّا مَنِ انْتَجَعَ فَضْلَكَ‏ بَابُكَ مَفْتُوحٌ لِلرّاغِبِينَ، وَ جُودُكَ مُبَاحٌ لِلسّائِلِينَ، وَ إِغَاثَتُكَ قَرِيبَةٌ مِنَ الْمُسْتَغِيثِينَ. لَا يَخِيبُ مِنْكَ الْ‏آمِلُونَ، وَ لَا يَيْأَسُ مِنْ عَطَائِكَ الْمُتَعَرّضُونَ، وَ لا يَشْقَى بِنَقِمَتِكَ الْمُسْتَغْفِرُونَ. رِزْقُكَ مَبْسُوطٌ لِمَنْ عَصَاكَ، وَ حِلْمُكَ مُعْتَرِضٌ لِمَنْ نَاوَاكَ، عَادَتُكَ الْإِحْسَانُ إِلَى الْمُسِيئِينَ، وَ سُنّتُكَ الْإِبْقَاءُ عَلَى الْمُعْتَدِينَ حَتّى لَقَدْ غَرّتْهُمْ أَنَاتُكَ عَنِ الرّجُوعِ، وَ صَدّهُمْ إِمْهَالُكَ عَنِ النّزُوعِ وَ إِنّمَا تَأَنّيْتَ بِهِمْ لِيَفِيئُوا إِلَى أَمْرِكَ، وَ أَمْهَلْتَهُمْ ثِقَةً بِدَوَامِ مُلْكِكَ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السّعَادَةِ خَتَمْتَ لَهُ بِهَا، وَ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشّقَاوَةِ خَذَلْتَهُ لَهَا. كُلّهُمْ صَائِرُونَ، إِلَى حُكْمِكَ، وَ أَمُورُهُمْ آئِلَةٌ إِلَى أَمْرِكَ، لَمْ يَهِنْ عَلَى طُولِ مُدّتِهِمْ سُلْطَانُكَ، وَ لَمْ يَدْحَضْ لِتَرْكِ مُعَاجَلَتِهِمْ بُرْهَانُكَ. حُجّتُكَ قَائِمَةٌ لَا تُدْحَضُ، وَ سُلْطَانُكَ ثَابِتٌ لَا يَزُولُ، فَالْوَيْلُ الدّائِمُ لِمَنْ جَنَحَ عَنْكَ، وَ الْخَيْبَةُ الْخَاذِلَةُ لِمَنْ خَابَ مِنْكَ، وَ الشّقَاءُ الْأَشْقَى لِمَنِ اغْتَرّ بِكَ. مَا أَكْثَرَ تَصَرّفَهُ فِي عَذَابِكَ، وَ مَا أَطْوَلَ تَرَدّدَهُ فِي عِقَابِكَ، وَ مَا أَبْعَدَ غَايَتَهُ مِنَ الْفَرَجِ، وَ مَا أَقْنَطَهُ مِنْ سُهُولَةِ الْمَخْرَجِ عَدْلًا مِنْ قَضَائِكَ لَا تَجُورُ فِيهِ، وَ إِنْصَافاً مِنْ حُكْمِكَ لَا تَحِيفُ عَلَيْهِ. فَقَدْ ظَاهَرْتَ الْحُجَجَ، وَ أَبْلَيْتَ الْأَعْذَارَ، وَ قَدْ تَقَدّمْتَ بِالْوَعِيدِ، وَ تَلَطّفْتَ فِي التّرْغِيبِ، وَ ضَرَبْتَ الْأَمْثَالَ، وَ أَطَلْتَ الْإِمْهَالَ، وَ أَخّرْتَ وَ أَنْتَ مُسْتَطِيعٌ لِلمُعَاجَلَةِ، وَ تَأَنّيْتَ وَ أَنْتَ مَلِي‏ءٌ بِالْمُبَادَرَةِ لَمْ تَكُنْ أَنَاتُكَ عَجْزاً، وَ لَا إِمْهَالُكَ وَهْناً، وَ لَا إِمْسَاكُكَ غَفْلَةً، وَ لَا انْتِظَارُكَ مُدَارَاةً، بَلْ لِتَكُونَ حُجّتُكَ أَبْلَغَ، وَ كَرَمُكَ أَكْمَلَ، وَ إِحْسَانُكَ أَوْفَى، وَ نِعْمَتُكَ أَتَمّ، كُلّ ذَلِكَ كَانَ وَ لَمْ تَزَلْ، وَ هُوَ كَائِنٌ وَ لَا تَزَالُ. حُجّتُكَ أَجَلّ مِنْ أَنْ تُوصَفَ بِكُلّهَا، وَ مَجْدُكَ أَرْفَعُ مِنْ أَنْ يُحَدّ بِكُنْهِهِ، وَ نِعْمَتُكَ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى بِأَسْرِهَا، وَ إِحْسَانُكَ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُشْكَرَ عَلَى أَقَلّهِ‏ وَ قَدْ قَصّرَ بِيَ السّكُوتُ عَنْ تَحْمِيدِكَ، وَ فَهّهَنِيَ الْإِمْسَاكُ عَنْ تَمْجِيدِكَ، وَ قُصَارَايَ الْإِقْرَارُ بِالْحُسُورِ، لَا رَغْبَةً يَا إِلَهِي بَلْ عَجْزاً. فَهَا أَنَا ذَا أَؤُمّكَ بِالْوِفَادَةِ، وَ أَسْأَلُكَ حُسْنَ الرّفَادَةِ، فَصَلّ عَلَى مُحَمّدٍ وَ آلِهِ، وَ اسْمَعْ نَجْوَايَ، وَ اسْتَجِبْ دُعَائِي، وَ لَا تَخْتِمْ يَوْمِي بِخَيْبَتِي، وَ لَا تَجْبَهْنِي بِالرّدّ فِي مَسْأَلَتِي، وَ أَكْرِمْ مِنْ عِنْدِكَ مُنْصَرَفِي، وَ إِلَيْكَ مُنْقَلَبِي، إِنّكَ غَيْرُ ضَائِقٍ بِمَا تُرِيدُ، وَ لَا عَاجِزٍ عَمّا تُسْأَلُ، وَ أَنْتَ عَلَى كُلّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ، وَ لَا حَوْلَ وَ لَا قُوّةَ إِلّا بِاللّهِ الْعَلِيّ الْعَظِيمِ.

الإنتاجات
k